مفوضية كينشاسا المستقلة
  من ثقافتنا القومية الاجتماعية
 
حريتنا وحريات الأمم
كل أمة أو دولة أو مجموعة إنسانية تعمل لتكون لها حريتها المتوافقة مع مفاهيمها، وتناضل وتصارع في سبيلها بكل الطرق والأساليب المتاحة لها، فهناك جماعات تناضل لنيل حريتها في وطنها إذا ما كانت حكوماتها مستبدة أو طاغية، أما الدول والأمم فإنها تناضل لنيل حريتها من خلال نضالها لتحقيق سيادتها واستقلالها، وإقامة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي فيها يحقق العدالة والحرية للمجتمع كله بما يتوافق مع ثقافته وتطلعاته وتوقه للنهوض والتقدم والارتقاء. وأعتقد أنه لا يشعر بطعم الحرية وبقيمتها إلا الذين يقاسون في سبيلها، لأن الحرية لايمكن أن تكون هبة أو منحة من أحد، ولقد علمنا التاريخ أن الأمم التي نالت حريتها دفعت ثمناً غالياً في سبيلها. فالأمة هي التي تعمل وتضحي لتحقيق حريتها في وطنها، لأن الحرية هي نتاج صراع بين من يعمل لها وبين قوى الاستبداد والاستعباد التي لن تتخلى عن رغباتها ومصالحها في الهيمنة والسيطرة على المجتمعات ومواردها سواء كانت هذه القوى خارجية أو داخلية، فحرية الأمة هي ليست حرية أفراد أو مجموعات فيها، بل هي حرية الأمة كلها وفي جميع شؤونها، هي حريتها المتوافقة مع ثقافتها ونفسيتها وقيمها ومطالبها العليا وتطلعاتها إلى الأفضل والأجمل والأحسن، وفي المفهوم القومي الاجتماعي، الحرية هي صراع لتحقيق الأفضل في المجتمع، هي صراع بين الفضائل والمثالب، بين الحق والباطل، بين السيادة وبين الخضوع لإرادات خارجية.. إذ يقول سعاده في خطابه (في اللاذقية) عام 1949 «الأمة التي لا تعرف أن الحرية صراع وأن الحق انتصار هي أمة أقول إنها لا تستحق إلا السقوط مصيراً»(1). وفي (المحاضرة التاسعة) من سلسلة محاضرات الندوة الثقافية عام 1948 التي شرح فيها (المبدأ الإصلاحي الخامس) الذي نص على «إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن»(2). قال: «ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون»(3). ولأن بعض الأفراد أو المجموعات في الأمة يظنون أنهم نالوا الحرية بترك الأمة لمصيرها، وانتقالهم إلى أمم أخرى نالت حريتها، وحققتها في مجتمعها، فالواقع أن هؤلاء لم ينالوا الحرية، بل قطفوا ثمار نضال غيرهم في سبيلها، ولا يحق لهم التغني والاعتزاز بها لأنهم تطفلوا عليها تطفلاً، وليس لهم أي فضل في نجاحها، لأن حرية الإنسان هي حريته في وطنه ومجتمعه أولاً، وليس له الحق أن يتخلى عن العمل في سبيلها حتى لو انتقل إلى وطن آخر ومجتمع آخر، ففي ندائه (إلى الجالية السورية في البرازيل) عام 1934 التي دعا فيها المهاجرين إلى التضامن والعمل لأجل الوطن، دون التخلي عن العمل لمجتمعهم الجديد، قال سعاده: «إن كرامة المرء ترتقي على نسبة ارتقاء الأمة التي ينتسب إليها»(4). وفي رسالته (إلى المهاجرين) عام 1937 التي شرح لهم فيها القضية التي يعمل لها الحزب، ودعاهم إلى الاهتمام بقضايا الوطن والأمة، ونبههم إلى أن شرفهم مقيد بشرف سورية، وإن للأمة حقاً عليهم، كما أوضح لهم أن الوطن الذي يعيشون فيه دفع ثمناً لنيل حريته، لذلك ليس لهم إلا أن يساهموا في حرية وطنهم الذي غادروه، الأمر الذي يجعلهم كباراً في نظر الشعب المضيف لهم. فقال: «فإذا لم تكونوا أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم»(5) فالأمم تنظر إلى المهاجرين وفق نظرتها إلى أوطانهم الأصلية، ووفق نشاطهم في موطنهم الجديد، إضافة إلى أنها تخضع لظروف تمر بها دول الاغتراب وإلى روحية وثقافة الدولة المضيفة.. فالبرازيل مثلاً، وكذلك الأرجنتين أشادتا بدور السوريين البناء فيهما، وربما حصل ذلك في دول أخرى، ولم يكن ذلك إلا بسبب مساهمتهم من جهة، وبسبب مواقف وطنهم الأصلي وصموده أمام التحديات التي تواجهه. بينما كان موقف الولايات المتحدة سلبياً تجاه السوريين وتجاه الجاليات الوافدة من دول عربية أخرى، وحتى من المتحدرين من أصول سورية، على الرغم من مساهماتهم في جميع المجالات في الحياة الأميركانية، ولم يكن ذلك إلا بسبب مواقف الشام والقوى الوطنية في سورية الطبيعية، والتي رأت حسب ثقافتها ومفاهيمها أن تلك المواقف لاتتوافق مع نظرتها ومصالحها الرامية للسيطرة على العالم وإخضاعه لإرادتها، وهذا ما جرها إلى التعامل مع السوريين كمهاجرين وليس كمواطنين أميركان. وهذا ما يدعو المهاجرين إلى الأخذ بالاعتبار أنهم سوريون، ولو أنهم يحملون جنسية البلد الذي يصبحون فيه ويراعون مصالحه وأنظمته وقوانينه، كما يدعوهم إلى الوعي إلى أن الحرية التي حصلوا عليها في اغترابهم خاضعة لثقافة ونظرة البلد الذي يعيشون فيه، وإن حرية أمتهم ووطنهم والعمل لها يبقى واجباً عليهم، لأن حريتهم الحقيقية هي من حرية أمتهم، وإن شرفهم من شرفها وكرامتهم من كرامتها، وإن احترام الآخرين لهم يأتي من احترامهم لأمتهم وعملهم لقضاياها القومية.
 
  Aujourd'hui sont déjà 5 visiteurs (15 hits) Ici!  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement